سألتني ـ بني ـ عن السياسة.. فاسمعني جيدا.. فليست
السياسة التي علمتك إياها في ذلك الزمن البعيد هي نفسها التي يتحدث عنها الناس
اليوم.
في القديم.. في
ذلك الزمن الغابر.. ذكرت لك أن السياسة هي أن يصير عقلك ملكا على هواك، وعفافك
ملكا على شهوتك، وعدلك ملكا على جورك، وحقائقك ملكا على دعاواك.
وفي ذلك الزمن
ذكرت لك أن السياسي الناجح هو من لجم نزواته ونزغاته.. وسيطر على شهواته وأهوائه..
واستطاع أن يحبس في قماقم سليمان كل عفاريت الباطل التي تنتجها كل حين نفسه
الأمارة.
وذكرت لك أنه لا
يسوس الناس من لا يسوس نفسه.. ولا يحكم الناس من لم يتحكم في هواه.. ولا يقود أي
رعية ما لم تنقد له رعايا دولته التي تسكن ذاته.
هذا ما ذكرته
لك.. وهذا ما سميته لك سياسة.
لكن السياسة
اليوم شيء مختلف تماما.. فاحذر أن تقع في حبائلها، وتستبدل بها ما علمتك إياه أول
مرة.
في هذه الأيام
يشتري الساسة ألبسة كثيرة تتلون بتلون الأيام، وتتغير بتغير الفصول.. ويركّبون
معها في أفواههم ألسنة كثيرة تتقن المدح والهجاء.. وتتقن معها قلب الحقائق
والتلاعب بها..
ويستبدل الساسة
في هذه الأيام قلوبهم التي خلقها الله لهم بقلوب جديدة لا تعرف لينا ولا رحمة ولا
شفقة.. قد تتصنعها، ولكنها لا تتقن التعامل معها.
وفي هذه الأيام
صنع الناس صناديق كثيرة.. كثيرة جدا يملؤونها كل حين