أيها الرفيق
العزيز.. رأيتك البارحة مع بعض إخوانك من المخالفين لك تجادلهم وتماريهم بعصبية
شديدة، وكأنك في ساحة حرب، لا مجلس علم.. وكأنهم أعداؤك الأبعدون، لا إخوانك
المؤمنون، مع أنك تعلم أنهم يقرون بالله ربا، وبمحمد a
نبيا، وأنهم يقرؤون نفس الكتاب المقدس الذي تقرؤه، ويصلون لنفس الرب الذي تعبده.
ولست أدري ما
كان الداعي لكل تلك الضوضاء والجلبة، ولكل ذلك التخوين والتجريم؛ فقد رأيتك تنظر
إليهم كما تنظر إلى الشياطين والمردة والمجرمين.
وعندما عدت إلى
بيتي، واستعدت ذلك الموقف، ورحت أحلله، لم أجدك تناضل عن دينك، ولا عن ربك، ولا عن
نبيك، ولا عن كتابك المقدس، وإنما كنت تناضل عن نفسك.. فقد كنت في كل ذلك الوقت لا
تدعو إلى الله، وإنما تدعو إلى نفسك وأنانيتك وأهوائك.
لقد تذكرت
مواقفك السابقة حينما كنت في طائفة أخرى غير الطائفة التي تنتمي إليها اليوم، وكنت
أراك بنفس الهيئة، وبنفس الجلبة، وبنفس المماراة.. تخوّن وتجرّم المخالفين، وتتصور
أنك على الحق المجرد، وتقسم عليه، ولا تكتفي بذلك، بل توزع دركات جهنم على المخالفين
لك، كما توزع درجات الجنة على الموافقين، وبحسب درجات وفاقهم وموافقتهم.
وقد جعلني كل
ذلك أشعر أنك في كل تلك الحوارات قديمها وحديثها كنت تشعر أنك أنت المركز، وأن
أفكارك وطروحاتك ومواقفك هي الحقيقة المجردة التي لا يُحكم على من خالفها إلا
بالضلالة.. وبذلك لم تكن تدعو لله، وللحقيقة.. وإنما كنت تدعو إلى نفسك وأنانيتك.