أيها الرفيق العزيز.. أنت تذكر
كل حين، وفي كل المجالس بأن من منن الله عليك أنك لم تقع في الكبائر، ولا في أكثر
الصغائر، وأنك لو وقعت فيها أسرعت إلى التوبة، ومحوت كل ذنوبك.. وأنك لذلك موقن
بفضل الله عليك بالنجاة من النار، وبرحمة الله عليك بدخولك إلى الجنة.
وأنا لا أشكك فيما ذكرت، ولا
أريد أن أسمي ما تفعله عجبا أو غرورا.. فقد لا تكون معجبا ولا مغرورا.. وقد يكون
ما أنت فيه ذلك المقام الرفيع الذي يسميه العارفون بالله رجاء.
ولكني مع ذلك لا أريدك أن تقف
عند ذلك الرجاء، حتى لا يكون حجابا بينك وبين الترقي إلى الله.. فأنت لم تنزل إلى
هذه الأرض لتقف وتتوقف، وإنما نزلت إليها لتصعد وتتحرك كل حين.. فلا كمال إلا في
الحركة، ولا سمو إلا بالصعود.
وأجمل الصعود وأسماه ليس أن تصعد
للجنة، ولا للفردوس الأعلى.. ولكن أن تصعد بروحك وجميع لطائفك إلى الله الذي هو
أقرب إليك منك.. فلا يكفي لكي تتقرب منه أن تكف عن الذنوب.. فهناك ما هو أخطر
منها.. وهو الإعراض والغفلة..
وقد سمع بعض الصالحين، بعد أن
ردد ما كنت تردده من فضل الله عليك بالعصمة من المعاصي، قائلا يقول له:
كل
شيء منك مغفو
ر
سوى الإعراض عنا
قد
وهبنا لك ما فا
ت
فهب لنا ما فات منا
ألا تعلم ـ أيها الرفيق العزيز ـ
ما تحمله هذه الكلمات من معان.. تصور لو أنك دعوت قوما تحبهم إلى بيتك، ووفرت لهم
كل أسباب الراحة والسعادة، وأزلت عنهم كل أسباب الهم والغم.. ثم بعد ذلك كله لم
يعيروك أي اهتمام، ولم يبالوا بك، بل اكتفوا