وكان في إمكانك
أن تكتفي بما ذكره، ففيه من العبر ما يفيدك في دنياك وأخراك.. لكنك خشيت أن يسيء
الحضور بك الظن، ويتوهموا أنه ليس لك من العلم بما حدث لأصحاب الكهف إلا بما ذكره
القرآن الكريم، وتكون بذلك مساويا للعوام.. فلذلك رحت تتفنن في ذكر تفاصيل أعدادهم
وأسمائهم ومكانهم وزمانهم، وتروي الروايات الكثيرة في ذلك، حتى أصيب الحضور
بالانبهار لعلومك الكثيرة، والتي لا سند لها إلا الظن المجرد.
ولو أنك عدت
للقرآن الكريم، وتأملت قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ
وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ
سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا
يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا
تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} (الكهف:22)، لفهمت أن الله تعالى لو علم
حاجتك لمعرفة عددهم لذكره؛ فكيف تستدرك على الله ما لم يذكره، ومن غير سلطان، ولا
حجة إلا الظن المجرد، وأنت تعلم أن الظن أكذب الحديث.
وهكذا لو عدت
إلى القرآن الكريم في إخباره عن مدة لبثهم في الكهف، لعلمت أن البحث في ذلك لا
يجدي من دون مصادر موثوقة معصومة، حتى لا تملأ ذاكرتك وعقلك بتلك الأكاذيب التي تمليها
عليك الظنون، فقد قال تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ
وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 25، 26]
وهكذا دعانا
القرآن الكريم إلى التحري والتدقيق.. فالعبرة ليس في أن تكثر علومنا ومعارفنا،
ولكن العبرة في أن يكون ما نعرفه صحيحا، حتى لا تغير جيوش الجهل على ما لدينا من
علوم، فتقضي عليها.