أيها الرفيق
العزيز.. رأيتك تتحدث مع بعضهم عن فضل ذلك الشيخ الذي توهمت أنه أعلم الناس، مع ما
تراه عليه من حدة وشدة.. وكنت تتحدث مثله بغضب شديد، وكأنك لا تدعو لعالم قد يصيب
ويخطئ، وإنما تدعو لنبي معصوم.
وأنا لا أريد أن
أصرفك عن ذلك الشيخ أو غيره، ولكني أريد أن أذكر لك أنك مهما أعملت عقلك وأجهدته،
فلن تتعرف على الأعلم.. ذلك أن العلم سر بين العبد وربه.. والعلم ليس ألفاظا تردد،
ولا مصطلحات معجمة تلاك، والعالم ليس ذلك الذي يقسم الشعرة بذكائه.. وإنما العالم
ذلك الذي تنكشف له الحقائق، فيراها رأي العين، وينكشف له نور مصباح الهداية؛ فيكون
أول السائرين على هديه.
والأعلم قد يكون
مثل أولئك الفقهاء الذين كان يجلبهم الخلفاء والملوك أنصاف الليالي، ليحللوا لهم
الحرام الواضح بما يطيقونه من حيل، وليخلصوهم من المآزق التي توقعهم فيها شهواتهم.
والأعلم قد يكون
مثل ذلك الفقيه الذي كان يستعمل كل أصناف الدهاء والحيلة ليخلص جمهوره من أثقال
التكاليف الشرعية بأبسط أنواع الحيل، ويتصور أنه قد ألغى ما ارتبط بهم من آثام،
وكأن له القدرة على تغيير أحكام الله بحيله وخدعه التي لا تختلف عن حيل وخدع علماء
أهل السبت.
والأعلم قد يكون
مثل ذلك المحامي الشاطر الذكي الذي يحفظ القوانين عن ظهر قلب، ثم يتلاعب في
الاحتيال عليها، ومزج بعضها ببعض ليخلص من يدفع له أكثر، وليورط العاجز عن الدفع.
والأعلم قد يكون
صاحب ذاكرة قوية، يحفظ الكتب الكثيرة، ويرددها أمام الملأ،