فيجدون ما
تمنّوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفّ أخرى، وهذه هي الطامّة الّتي لا تدع لهم
قرارا، وهم بذلك يكونون خلفاء إبليس- الّذي رأى أنّ الحظوة الّتي كان يتشهّاها قد
ذهبت إلى آدم- فآلى ألّا يترك أحدا يستمتع بها بعدما حرمها، وهذا الغليان
الشيطانيّ هو الّذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم،
كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يتحوّلوا إلى ربّهم يسألونه من فضله، وأن يجتهدوا
حتّى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حكرا على أحد، والتطلّع إلى فضل
اللّه عزّ وجلّ مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عند ما يرى أحد فضل
اللّه ينزل بشخص معيّن، وشتّان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد[1].
قال آخر:
عرفنا نيران الحقد، بل رأيناها بأم أعيننا، ونحن نبحث عن الماء الذي يطفئها.
قال
المسعودي: لا يمكن أن تطفأ النار، ومنبع النار يبعث بلهبه.
قال الرجل:
فما منبع النار؟ وكيف نطفئه؟
قال
المسعودي: لايمكن أن تطفئوا نيران الغضب ما لم تمنعوا الوقود عنه.
قال الرجل:
فما الوقود الذي يهيج الغضب؟
قال
المسعودي: وقود الغضب كثير.. منه الزهور والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير
والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه.. وهي جميعا أخلاق
مذمومة ولا خلاص من الغضب مع بقائها.
قال الرجل:
فكيف نقتل نار الشر التي تنبع منها؟
قال
المسعودي: تستطيع أن تميت الزهو بالتواضع.. وتميت العجب بمعرفتك
[1]
انظر: خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي ص 90- 102..