قال الرجل:
أرى أن الحقد هو أم البلايا.. وهو كالحسد نار تأكل صاحبها قبل أن تصل إلى غيره، بل
قد لا تصل إلى غيره.
قال
المسعودي: أجل.. فليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرّ لعينه من أن يعيش
سليم القلب، مبرّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي
بها، وأحسّ فضل اللّه فيها، وفقر عباده إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق
اللّه رثى له، ورجا اللّه أن يفرّج كربه ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا ناصع الصفحة،
راضيا عن اللّه وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، ذلك أنّ فساد
القلب بالضّغائن داء عضال، وما أسرع أن يتسرّب الإيمان من القلب المغشوش، كما
يتسرّب السائل من الإناء المثلوم.
ثم سكت قليلا،
ثم قال: إنّ الشيطان ربّما عجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنّه- وهو
الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربّه،
حتّى يجهل حقوقه أشدّ ممّا يجهلها الوثنيّ المخرّف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار
العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس
ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك أنّ الشرّ إذا تمكّن من الأفئدة الحاقدة
تنافر ودّها وارتدّ الناس إلى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر اللّه به
أن يوصل، ويفسدون في الأرض.
إنّ الحقد هو
المصدر الدفين لكثير من الرذائل الّتي رهّب منها الإسلام، فالافتراء على الأبرياء
جريمة يدفع إليها الحقد، وقد عدّها الإسلام من أقبح الزور، أمّا الغيبة فهي متنفّس
حقد مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظنّ وتتبّع
العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنيّة أو النفسيّة، وقد
كره الإسلام ذلك كلّه كراهية شديدة.
إنّ جمهور
الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنّهم ينظرون إلى الدنيا