ولذلك يخبرنا الله تعالى بأن ما نراه من مشاهد الضلال ليس خارجا
عن مشيئته، بل هو من مقتضياتها، قال تعالى:﴿ وَلَوْ شِئْنَا
لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
(السجدة:13)
ويعلل الله تعالى ذلك
بغناه المطلق عن خلقه، قال تعالى:﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ (الأنعام:133)
فلذلك يرى المؤمن في الضلال الموجود على
الأرض غنى الله المطلق عن خلقه، قال تعالى:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا
يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ (الزمر: 7)، وقال تعالى مخبرا عن مقالة موسى u:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ (ابراهيم: 8)
وقد ورد في الحديث القدسي الجليل:( يقول
اللّه تعالى: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل
منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا
على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها
لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا
نفسه)[1]
ويرى أن جهده النابع من
إيمانه لهداية الناس ليس إلا سببا هزيلا، أما النتيجة فهي بإذن الله، قال تعالى:﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ (البقرة: 272)، وقال تعالى:﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (القصص:56)، وقال تعالى:﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ (الغاشية:22)
وسر ذلك أن كتابة
الإيمان في القلب فضل من الله، وهذا الفضل لا يكون إلا بإذنه، كما