وقد عبرت النصوص عن هذه
المعاني مخبرة أن النفع والضر بيد الله ورهن مشيئته، يقول تعالى آمرا رسول الله a:﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (لأعراف:188)، وقال تعالى:﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ (يونس:49)
ويخبر الله تعالى أن
هذه المشيئة المطلقة في الضر والنفع هي من مقتضيات الألوهية، قال تعالى:﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (المائدة:76)
أي لا يقدر على دفع ضر عنكم، ولا إيصال نفع إليكم.
ولهذا يخبر الله تعالى
رسوله a إلى أن مشيئة الله قادرة على أن ترزقه من الخير في الدنيا ما يحولها
إلى جنة في ناظريه، قال تعالى:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً ﴾ (الفرقان:10)
وفي نفس الوقت يملؤنا
بمعاني التوحيد حين لا نرى الضر والنفع إلا من الله، قال تعالى:﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ
اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا
رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ ﴾ (يونس:107)
واعتقاد المؤمن في
مشيئة الله المطلقة في الضر والنفع، يجعله في حصن منيع، وهو يرى ما دون الله
كالهباء، لا يملك له نفعا ولا ضرا، فيتحرر من رق الرغبة والرهبة، وكيف يرغب أو
يرهب، وهو يردد قول رسول الله a : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه
اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك)[1]