وقد ورد في القرآن
الكريم ـ زيادة على هذا ـ اقتران السعة بالمغفرة، كما قال تعالى:﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ (لنجم: 32) وهو
يصب فيما ذكرناه من الرحمة، لأن المغفرة مظهر من مظاهر الرحمة، أو هو مقدمة لها،
ولذلك يقترنان في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
* * *
قد يقال بعد هذا: فما
حقيقة الرحمة الإلهية؟
إن أحدنا إذا رحم غيره
رق قلبه، وانهمرت دموعه، وشعر بمشاعر هي أدل على الصعف منها على الكمال، فهل يجوز
على الله هذا النقص الذي نجده في ذواتنا، وهذه المشاعر التي هي دليل ضعفنا وعجزنا؟
والجواب عن ذلك هو أن
الله تعالى الكبير المتعال الذي ليس كمثله شيء يتعالى عن النقص، فهو السلام الذي
سلم من كل الآفات، بل من كل ما نتوهمه كمالا، بل نحن ـ لضعفنا وقصورنا ـ لا نعرف
من حقائق الأسماء إلا بعض مظاهرها، أما حقائقها فلا حدود لها.
ولذلك تتفق رحمته تعالى
مع ما نفهمه من الرحمة في بعض الأمور، وتختلف في بعضها.
فالرحمة في منطقنا
تستدعي مرحوما، وتشترط في المرحوم أن يكون محتاجا.
وتشترط في الراحم أن
يفيض عنايته على المرحوم بما يسد حاجاته، قاصدا بذلك العناية بالمرحوم، فإن قصر ـ
مع القدرة ـ لم تعتبره رحيما.