لأن مصدر القلق
والاضطراب هو الشتات الذي يحصل في الإنسان نتيجة رؤية الأشياء قائمة بذاتها،
فتتوزع في نفسه الرغبة منها أو الرهبة، وهي متناقضة مختلفة، فيحصل فيه من التناقض
بحسبما في الأشياء من تناقض.
أما إذا رآها جميعا
بيد الله، فإن قلبه يتوحد مع الله.
ومن آثار هذه
المعرفة اللجوء إلى الله لا إلى الكون، وطلب الأشياء من الله لا من الأشياء، فالله
هو المتصرف لا الأشياء.
ومن الحماقة أن
نترك الآمر ونتوجه إلى المأمور، وقد ذكر الغزالي مثالا يبين تهافت الذين ينسبون
الأشياء إلى ما يتوهمونه، ثم يلجؤون إليه بضراعة والرجاء بقوله:( فالتفات العبد في
النجاة إلى الريح يضاهي التفات من أخذ لتحز رقبته فكتب الملك توقيعاً بالعفو عنه
وتخليته، فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به كتب التوقيع يقول: لولا
القلم لما تخلصت، فيرى نجاته من القلم لا من محرّك القلم وهو غاية الجهل. ومن علم
أنّ القلم لا حكم له في نفسه وإنما هو مسخر في يد الكاتب لم يلتفت إليه ولم يشكر
إلا الكاتب، بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك والكاتب من أن يخطر بباله القلم
والحبر والدواة والشمس والقمر والنجوم والمطر والغيم والأرض، وكل حيوان وجماد
مسخرات في قبضة القدرة كتسخير القلم في يد الكاتب) [1]
ولهذا وردت النصوص
الكثيرة تدعونا إلى طلب منافع الكون من الله، ولو كانت هذه المنافع مما ننسبه إلى
أنفسنا أو ننسبه إلى الطبيعة.
ففي الوقت الذي
يستسقي فيها الجاهلون بالأنواء، أو يقولون ما يقول قوم هود حين رأو سحاب العذاب،
مما قصه علينا الله تعالى، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً