والعلة الكبرى التي
يستند لها المغلبون للتوحيد على العدل، هو تغليب ما ورد في النصوص من توحيد الله
المقتضي لتوحيد علمه ومشيئته وقدرته على ما ورد في النصوص من عدل الله الذي يقتضي
التعامل مع كل أحد بحسب عمله.
والذي غلب أحد النظرين
على الآخر ليس حجم النصوص الواردة في التوحيد، بل إن ما ورد في العدل الإلهي أكثر
بكثير مما ورد في التوحيد المرتبط بالقدر، فالقرآن الكريم كله أوامر تكليفية وبيان
للعدل الإلهي في الأمر بها أو المجازاة عليها.
وليس كذلك بسبب النظرة
العرفانية، فالعارف ـ كما ذكرنا ـ هو من عرف الله بجميع أسمائه الحسنى وصفاته
العليا، فلم يطفئ ـ لذلك ـ نور توحيده نور ورعه، وقد قال a وهو أعرف العارفين بالله، بل هو سراج المعرفة بالله الذي تشع من
خلاله جميع كواكب المعرفة وأقمارها:( إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)[1]، فجمع a بين العلم بالله وتقوى الله.
وإنما السبب هو سوء
الفهم للنصوص، أو النظر للنصوص من زاوية واحدة، ولذلك سنتحدث في هذا الباب عن وجوه
الجمع بين التوحيد والعدالة مقدمين النصوص على غيرها محاولين فهم النصوص على
ظواهرها البسيطة الفطرية التي لا تعقيد فيها ولا إلغاز.
وسنرى المدى الذي عبرت
به النصوص عن عدالة الله المطلقة في جميع النواحي المرتبطة بالقدر.
وقد حاولنا حصر الحديث
في الجوانب الأساسية الثلاثة للعدل، بحسب ما تقتضيه القسمة العقلية، وهي: عدالة
التكليف، وعدالة الهداية، وعدالة الجزاء.
فعدالة التكليف تقتضي
أن لا يكلف المكلف إلا بحسب استطاعته، وبعد توفر كل ما