والرد على هذين الطرفين
المتناقضين هو الطرف الوسط الذي أمرنا بالتزامه، وهو أنا أقل من أن نوجب على الله،
أو نلزمه شيئا، وفي نفس الوقت نحن أقل شأنا من أن نبدل معاني كلام الله بما لا
يحتمله.
ومعني الكلمات السابقة
تدل على أن الله وعد عباده أو أقسم أو كتب على نفسه أمورا معينة، ثم أخبر أن وعده
لا يتخلف وأن كلماته لا تتبدل، فمن التحريف بعد هذا أن نقول بأن المراد من ذلك
جميعا الإخبار عن نفسه بأن ذلك فعله أو صفته.
ولهذا لو قال القائل:(
أوجبت على نفسي صوما)، فإن ذلك يدل على أنه ألزم نفسه بالصوم، فإذا قال:( إن معناه
أخبرت بأني أصوم) كان ذلك إلغاء وإبطالا لقوله.
ولو كان الأمر كما
ذكروا فإنه لا مزية لإخباره a بأن رحمة الله سبقت
غضبه أو أنه حرم الظلم على نفسه، وذكر ذلك في معرض المدح، وموجبات الحمد.
ثم إنه إذا كان معقولا
من الإنسان أنه يوجب على نفسه ويحرم ويأمرها وينهاها مع كونه تحت أمر غيره ونهيه،
فالآمر الناهي الذي ليس فوقه آمر ولا ناه، كيف يمتنع في حقه أن يحرم على نفسه
ويكتب على نفسه؟
وإذا عرف هذا عرف سر
سلامه تعالى على أنبيائه ورسله، ولماذا طلب من نفسه لهم السلامة،وعرف بذلك سر قوله
تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب:56)، وسر قوله تعالى:﴿ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ
رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ (يّـس:58)
وأسرار كثيرة لا يكشفها
إلا أن تحمل النصوص على ظواهرها دون تعطيلها بالتأويل أو تحريفها بالتشبيه.
وننبه هنا إلى الفرق
بين ما يحبه من أفعال عباده ويكرهه، وبين ما كتب على نفسه تعالى،