قال: أطباؤكم يعطون مرضاكم أدوية كثيرة لا تستسيغها
أجسامهم، ولا تأنس لها، بل هي تثير فيها عللا كثيرة، فهل منعهم ذلك من استعمالها؟
قلت: لا.. فشعورهم بخطر الداء الذي يقفون في وجهه يدعوهم
لممارسة كل الأساليب.
قال: فكذلك الأولياء يعالجون الخلق بأدوية كثيرة، منها ما
يفهمونه، ومنها ما لا يفهمونه، فما استساغوه انتفعوا به، وما لم يستسيغوه أعطاهم
نوعا من الشوق لاستساغته.
قلت: فما ينفع الشوق؟
قال: من لم يحترق جوفه بلهيب الأشواق، لم يستسغ تلك
الأذواق.
قلت: كيف؟
قال: لا يعرف لذة الماء إلا من أحرق العطش جوفه.
قلت: فهمت.
قال: ما فهمت.
قلت: سر الإغراب والغموض الذي يضع هالة جميلة على كلام
الحكماء من أهل الله.
قال: هو يضع تلك الهالة لتثير الأشواق.. فإذا ثارت الأشواق
كان الوصول بقدرها.
نعمة
الثواب:
قلت: فما نعمة الثواب؟
قال: حينما
تزاح الغشاوة التي تكسو العيون في الدنيا، فتفسد بسببها المقاييس يدرك الخلق
الكنوز التي كان يخفيها البلاء، فيودون ما أخبر عنه a بقوله: (يود أهل العافية يوم
القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)[1]
[1] الترمذي كتاب الزهد رقم
(2403) عن جابر وقال هذا حديث غريب.