قدمي في عتبته، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه)[1]
قلت: لهذه الآثار الجميلة التي يحدثها البلاء في النفس،
ومع الله، ومع المجتمع، كان الحمد لله والشكر له يخرج من أفواه الصالحين غضا طريا
مشفوعا بالشعور بالمنة لاعتقادهم أن الله ما ابتلاهم ليعذبهم، وإنما ابتلاهم
ليخلصهم من أوزار نفوسهم، وليجعلهم أهلا له، وقد روي في الخبر أن الله تعالى أوحى
إلى موسى u:
(إذا رأيت الفقر مقبلا إليك فقل: مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغني مقبلا
إليك فقل: ذنب عجلت عقوبته)[2]
وكان بعضهم إذا اشتد مرضه وجوعه يقول: (إلهي ابتليتني
بالمرض والجوع، وكذلك تفعل بأوليائك، فبأي عمل أؤدي شكر ما أنعمت به علي)
وكان آخر يقول: (إلهي أجعتني، وأجعت عيالي وتركتني في ظلم
الليالي بلا مصباح، وإنما تفعل ذلك بأوليائك فبأي منزلة نلت هذا منك؟)
وسر ذلك هو خوف الصالحين من الاستدراج بالنعيم، كما قال قائلهم:
(والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخفف أن يكون قد مكر له فيها
إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه. وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها
إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه)
بل هذا ما صرح به a في قوله: (والله ما الفقر أخشى عليكم،
ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما
تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)[3]