وخفف عني ما ألاقي من
العنا بأنك أنت المبتلي والمقدر
وما لامرئ عما قضى الله معدل وليس
له منه الذي يتخير
وبقول ابن عطاء الله: (ليخفف ألم البلاء عنك علمك بأنه سبحانه
هو المبلي لك، فالذي واجهتك منه الأقدار، هو الذي عودك حسن الاختيار)
وقال آخر: كيف تعترض، والله يراك ويسمعك، وهو ما أنزل عليك البلاء إلا
ليختبر موقفك، فهل ترضى أن تسقط في الاختبار؟
وقال آخر، وهو بديع الزمان: لا تعترض.. فإن السكون والهدوء والرتابة والعطالة نوع من العدم والضرر،
وبعكسه الحركة والتبدل وجودٌ وخير، فالحياة تتكامل بالحركة، وتترقى بالبلايا،
وتنال حركات مختلفة بتجليات الاسماء، وتتصفى وتتقوى وتنمو وتتسع، حتى تكون قلماً
متحركاً لكتابة مقدراتها، وتفى بوظائفها، وتستحق الأجر الأخروي[1].
وقال آخر، وهو كذلك بديع الزمان، ولكن بصوت مختلف: لا تعترض.. واعلم انه ليس لك
حق في الشكوى، بل عليك الشكر، عليك الصبر؛ لأن وجودك واعضاءك وأجهزتك ليست بـملكك
أنت، فانت لـم تصنعها بنفسك، وانت لـم تبتعها من اية شركة او مصنع ابتياعاً، فهي ملكٌ
لآخر. ومالك تلك الاشياء يتصرف في ملكه كيف يشاء.
قلت: عهدي بك ـ سيدي ـ تمثل لما تقول، فاضرب لي على ذلك
مثالا.
قال: هب أن صانعاً ثرياً ماهراً بكلـّف رجلاً فقيراً لقاء
أجرة معينة ليقوم له لمدة ساعة بدور الـنموذج، لإظهار صنعته الجميلة وثروته
القيمة، فيكلفه بلبس القميص المزركش الذي حاكه، والحلة القشيبة الـمرصعة التي
نسجها، ويطلب منه أن يظهر أوضاعاً وأشكالاً شتى لبيان