قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه اللّه فيكشف ما به،
فلما راحا إليه لم يصبر الرجل، حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب u: ما أدري ما تقول غير أن
اللّه عزَّ وجلَّ يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران اللّه، فارجع إلى
بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكرا اللّه إلا في حق)[1]
قال: والأصرح من ذلك تأخر دعاء نوح تعالى على قومه كل تلك
السنين الطويلة.
قلت: أجل، فقد ذكر الله تعالى مدة ذلك، فقال:﴿
فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ﴾ (العنكبوت:14)
قال: ومن ذلك تأخر دعاء إبراهيم وزكريا ـ عليهما السلام ـ
في طلب الولد إلى أن بلغا من العمر عتيا.
قلت: أجل، فقد ذكر الله تعالى تعالى عن زكريا u: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ
شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً
فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا ً ﴾ (مريم:4 ـ5)
قال: فزكريا u مع علمه بأنه لم يكن بدعاء ربه شقيا،
أي ولم يعهد من الله إلا الإجابة في الدعاء، إلا أنه لم يستعمل هذا السلاح إلا بعد
أن اضطر إليه اضطرار.
قلت: فكيف نوفق بين هذا وذاك؟
قال: بأن يوضع كل شيء في محله.
قلت: كيف ذلك؟
قال: الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ دعوا الله في
مواقف كثيرة، وتركوا الدعاء في مواضع أخرى اكتفاء بالله.. فالكمال في الجمع بين
الأمرين.