إذا عرفت هذا ـ أيها المريد
الصادق ـ فاعلم أن من أعظم مظاهر الإعراض عن الله الإعراض عن رسوله، ذلك أن الرسول
لا يمثل نفسه، وإنما يمثل المرسل الذي أرسله.. ولذلك كان الإعراض عنه إعراضا عن
المرسل.
وأول مظاهر ذلك الإعراض الإساءة
إليه وإذيته وعدم توقيره وتعظيمه وتكريمه، كما يفعل أولئك الغافلون الذين يتوهمون
أن توقير الرسول a وتعظيمه شرك وضلالة، وهم
لا يعلمون أنه عين التوحيد.
ولو أنهم رجعوا إلى علمائهم الذين
يثقون فيهم لوجدوا أنهم يخالفونهم في ذلك، فقد روي أن المنصور العباسي سأل الإمام
مالك: (أستقبل القبلة وأدعو، أم استقبل رسول الله a؟، فقال مالك: (ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم
عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفّعه الله
تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا
اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]) ([1036])
وروي أنه أنكر على أبي جعفر رفعه
صوته عند قبر رسول الله a قائلا: (لا ترفع صوتك في
هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما، فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ
لاَ تَشْعُرُون ([سورة الحجرات:2]، ومدح قوما فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ([الحجرات: 3]، وذم
قوما فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْقِلُونَ