نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 266
وهكذا، فإن المؤمن لا يحتقر شيئا
من خلق الله، بل يتواضع له، ويتأدب بآداب العبودية بين يديه، وقد روي عن عبد الله بن مسعود
أنه قال: (البلاء موكّل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا)([341])،
وقال آخر: (لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الّذي صنع)
وروي عن بعض الصالحين ـ وقد كان من
الفقهاء والعلماء ـ أنه بينما كان يمشي في يوم شات كثير الطين، فاستقبله كلب يمشي
على الطريق التي كان عليها، فقال من رآه: رأيت الشيخ قد لصق بالحائط وعمل للكلب
طريقا ووقف ينتظره ليجوز، فلما قرب منه الكلب ترك مكانه الذي كان فيه ونزل أسفل وترك
الكلب يمشي فوقه، قال: فلما جاوزه الكلب وصلت إليه فوجدته وعليه كآبة، فقلت له: يا
سيدي رأيتك الآن صنعت شيئا استغربته، كيف رميت بنفسك في الطين، وتركت الكلب يمشي
في الموضع النقي؟ فقال لي: (بعد أن عملت له طريقا تفكرت، وقلت: ترفعت على الكلب، وجعلت
نفسي أرفع منه، بل هو واللّه أرفع مني وأولى بالكرامة، لأني عصيت اللّه تعالى وأنا
كثير الذنوب والكلب لا ذنب له، فنزلت له عن موضعي وتركته يمشي عليه، وأنا الآن
أخاف من اللّه ألا يعفو عني، لأني رفعت نفسي على من هو خير مني) ([342])
وما فعله هذا الصالح يدلك على
الطريق الذي تتخلص به من كل تحقير لغيرك.. فهذا الكلب، وإن كان في مرتبة أدنى من
الإنسان، لكنه ليس كذلك بالنسبة لكل الناس، فالذي لم يتحقق بإنسانيته، ولم يطع
الله تعالى، ولم يلتزم حدوده، سيكون الكلب في مرتبة
[341]
تفسير القرطبي ج 16 ص 325 وانظر الاثر الاخير عن ابن مسعود في نزهة الفضلاء 1/ 85.
وتفسير البحر المحيط 8/ 112.