وكل
هذه معان طيبة، وأخلاق نبيلة.. لم يذكر لي الفلاسفة الذين ملأوني بالتشاؤم منها،
لأنهم كانوا يقتصرون فقط على ذكر ما يرونه من حقائق دون أن يربطوها بأي سلوك مؤثر
في الحياة.
لا
أكذبك أنني في ذلك الحين، ومع كون الإيمان لم يدخل إلى قلبي بعد دخولا كاملا إلا
أني رحت أحاول أن أطبق تلك المعاني التي ربط القرآن الكريم السعادة بها، وأولها
القيام بخدمة الناس، وإطعام المساكين، وتوفير كل أصناف العناية بهم.. وكان الكل
يدعون لي، فأشعر مع دعواتهم بأمطار السعادة، وهي تتنزل على قلبي فتطهره من كل
أدناس الشقاء.
وهكذا
بقيت أجمع مدة بين تلك الخدمات، وقراءتي الدائمة للقرآن الكريم إلى أن من الله علي
فشرح صدري للإيمان، فصرت أرى تلك الحقائق بعيني.. صرت أرى أهل الجنة يتنعمون فيها،
وأهل النار يصيحون فيها.. وكنت أعمل كل الوسائل لأبتعد عن النار، وأدخل الجنة، حتى
أحقق السعادة الأبدية.
وقد
أصبح لحياتي منذ ذلك الحين معنى ملموسا، بعد أن كانت فارغة من أي غاية، وكانت لذلك
مملوءة بكل أنواع الشؤم.. وبذلك فإن الإيمان لم ينقذ آخرتي فقط، وإنما أنقذ دنياي أيضا.