قال الجيلاني: هم على فرق في ذلك.. سأكتفي لكم بعشرة
منها.
قالوا: فما
أولها؟
قال: أولهم من
أهملوا الفرائض، واشتغلوا بالنوافل، وربما تعمقوا حتى خرجوا إلى السرف والعدوان،
كالذى تغلب عليه الوسوسة فى الوضوء فيبالغ فيها.. ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة
من النجاسة.. وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر الاحتمالات القريبة بعيدة وربما
أكل الحرام المحض..
قالوا: وعينا
هذا .. فما الثانية؟
قال: الثانية
من غلبت عليهم الوسوسة فى نية الصلاة، فلا يدعهم الشيطان يعتقدون نية صحيحة.. بل
يوسوس عليهم حتى تفوتهم الجماعة، وتخرج الصلاة عن الوقت..
قالوا: وعينا
هذا .. فما الثالثة؟
قال: الثالثة
من غلب عليها الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة.. وسائر الأذكار من مخارجها.. فلا
تزال تحتاط فى التشديدات.. والفرق بين الضاد والظاء.. لا يهمه غير ذلك ولا يتفكر
فى أسرار الفاتحة ولا فى معانيها.. ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق فى تلاوة القرآن من
تحقيق مخارج الحروف إلا ما جرت به عادتهم فى الكلام..
وهذا غرور
عظيم.. ومثالهم مثال من حمل رسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجهها..
فأخذ يؤدى الرسالة ويتأنق فى مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو مع
ذلك غافل عن مقصود الرسالة.. ومراعاة حرمة المجلس.. وبهذا يرد إلى دار المجانين
ويحكم عليه بفقد العقل.
قالوا: وعينا
هذا .. فما الرابعة؟
قال: الرابعة
من اغتروا بقراءة القرآن.. فيهدرونه هدرا.. وربما يختمونه فى اليوم والليلة ختما..
وألسنتهم تجرى به.. وقلوبهم تتردى فى أودية الأماني والتفكر فى الدنيا..