بعد أن حدثني الشيخ الصالح عن نبأ رحلته سألته
متعجبا: ولكن.. أنت لم تخبرني كيف عدت من تلك البلاد العجيبة؟
قال: ومن
أخبرك أني عدت منها.. أنا لا زلت فيها.. بل لا زلت بحمد الله في تلك القمة السامقة
التي رأيت فيها صاحبك معلم السلام.
قلت: رأيت
صاحبي معلم السلام في القمة.. أي قمة؟
قال: قمة جبل
الصاعدين إلى الله.. أتراك نسيتها؟
قلت: أجل..
ولكن..
قال: لقد
ذكرت لك أن قمة الجبل كانت مخصصة للصديقين.. وقد رأيت بحمد الله صاحبك فيها.. ولم
أرتض أن أنزل منها.. وكيف أنزل منها، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر
على قلب بشر.. وكيف أنزل منها وفيها الأنبياء والأولياء والصديقون.. وكيف أنزل
منها وفيها القرب والمحبة والأنس وجميع المعاني السامية.. وكيف ينزل إلى دنس
الحظيظ من رأى قدس أقداس العلو؟
قلت: ولكنك
معي.
قال: طيني
معك.. أما روحي، فلا تزال هناك.
قلت: أنا
أسألك عن طينك.. فمن أرجعك إلى أرضك بعد أن نفيت عنها؟.. ومن أخرجك عن أرض الأوحال
إلى أرض الإنسان؟
قال: بعد أن
يسر الله لي الوصول إلى القمة.. وبعد أن رأيت فيها ما ذكرت لك.. وبعد أن قررت
قرارا لا رجعة فيه أن تكون تلك القمة هي وطني الدائم، وهي مستقري الأخير جاءت
الطائرة التي حملتني لتعود بترابي إلى البلد الذي خرج منه..