وهكذا قال
الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾
[التوبة: 14]، فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى نفسه، والتعذيب هو عين القتل.. بل
صرح، فقال: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾
[الأنفال: 17] ، وقال: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ
رَمَى﴾ [الأنفال: 17] وهو جمع بين النفي والإثبات ظاهرا، ولكن معناه وما
رميت بالمعنى الذي يكون الرب به راميا إذ رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا.
قلت: وعيت
هذا.. فما حال التوكل؟
قال: إن ثبت
في نفسك بقين صادق أنه لا فاعل إلا الله تعالى، واعتقدت مع ذلك تمام العلم والقدرة
على كفاية العباد، ثم تمام العطف والعناية والرحمة بجملة العباد والآحاد، وأنه ليس
وراء منتهى قدرته قدرة، ولا وراء منتهى علمه علم، ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته
لك عناية ورحمة، اتكل لا محالة قلبك عليه وحده، ولم يلتفت إلى غيره بوجه، ولا إلى
نفسه وحوله وقوته، فإنه لا حول ولا قوة إلا باللّه.
قلت: فإن لم
أجد هذه الحال؟
قال: يبحث عن
أسباب ذلك..
قلت: فما
تراها؟
قال: ذلك
يعود لأحد علتين: إما ضعف اليقين بالعلوم التي يقتضيها التوكل.. وإما ضعف القلب
ومرضه باستيلاء الجبن عليه، وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه. فإن القلب قد
ينزعج تبعا للوهم، وطاعة له، عن غير نقصان في اليقين. فإنه لو كلف العاقل أن يبيت
مع الميت في فراش، أو بيت، نفر طبعه عن ذلك، وإن كان متيقنا بكونه ميتا، وأنه جماد
في الحال، وأن سنة اللّه تعالى مطردة بأنه لا يحشره الآن ولا يحييه وإن كان قادرا
عليه.. وذلك