وأما ذم المدح، فمما ورد فيه قوله a:
(احثوا التراب في وجوه المادحين)[1]
وقال الإمام علي
لما أثني عليه: (اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا
مما يظنون)
وأثنى رجل عليه
في وجهه، وكان قد بلغه أنه يقع فيه، فقال: (أنا دون ما قلت وفوق ما في نفسك)
قلنا: عرفنا
الترياق الرابع.. فما الخامس؟
قال زكريا:
أن يعمل على إسقاط الجاه عن قلوب الخلق بمباشرة أفعال مباحة يلام عليها حتى يسقط
من أعين الخلق وتفارقه لذة القبول ويأنس بالخمول ويرد الخلق ويقنع بالقبول من
الخالق.. كما روي أن بعض الملوك قصد بعض الزهاد، فلما علم بقربه منه استدعى طعاماً
وبقلاً وأخذ يأكل بشره ويعظم اللقمة، فلما نظر غليه الملك سقط من عينه وانصرف،
فقال الزاهد: الحمد لله الذي صرفك عني.
قلنا: عرفنا
الترياق الخامس.. فما السادس؟
قال زكريا: أن
يرجع إلى عقله، ويقول لنفسه: هذه الصفة التي أحب أن أمدح بها هل أنا متصف بها أم
لا؟ فإن كنت متصفاً بها فهي إما صفة تستحق المدح كالعلم والورع، وإما صفة لا تستحق
المدح كالثروة والجاه والأعراض الدنيوية فإن كانت من الأعراض الدنيوية فالفرح بها
كالفرح بنبات الأرض الذي يصير على القرب هشيماً تذروه الرياح، وهذا من قلة العقل،
بل العاقل يقول كما قال المتنبي:
أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا
فلا ينبغي أن
يفرح الإنسان بعروض الدنيا، وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح المادح