وأنا في هذا المحل لا أقول للناس: (اهدموا ما بنيتم
من بناء.. أو اقعدوا عن بناء ما تريدون بناءه).. ولكني أقول لهم: (احذروا أن يتسلل
غول البناء إلى قلوبكم، فتنشغلون ببناء الطوب عن بناء القلوب، أو تنشغلوا بقصور
الدنيا عن قصور الآخرة)
***
بقيت مدة في
هذا القسم أستفيد من هود علوم الترفع عن البنيان.. وعندما أيقنت بأن قصور الدنيا
أحقر من أن أبيع بسببها قصور الآخرة طلب مني، كما طلب من جمع معي فقهوا ما فقهت أن
نسير إلى قسم آخر من أقسام تلك المدرسة.
7 ـ الجاه
بعد أن فتح
الله علي، فتعلمت من علوم الترفع عن ثقل البنيان بعض ما ذكرته لك، سرت نحو قسم آخر
في تلك المدرسة كان اسمه (قسم الترفع عن الجاه)، وقد كان شيخه – كما ذكر لي ولي الله يوسف الصديق- رجل من أهل الله
اسمه (زكريا)، وكان كسميه زكريا u يعيش بين قوم لا
يأبهون به، ولا يستفيدون منه مع ما آتاه الله من العلم والحكمة.. ولذلك اختار يوسف
الصديق أن يأتي به إلى مدرسته ليكون معلما في هذا القسم.
وقد فوجئت
عندما دخلت لذلك القسم إذ وجدت فيه كثيرا من المشاهير.. كلهم – كما أخبرني يوسف الصديق- قصد زكريا ليتخلص من أوهام
الجاه التي امتلأت بها نفسه، وكدرت عليه حياته.
كان أول ما
سمعت من زكريا قوله في بداية حلقته التي اجتمعنا إليه فيها[1]: من أخطر أمراض النفوس تطلعها إلى غير مولاها.. فلا تكتفي بنظره.. بل
تريد أن ينظر إليها غيره.. مع أن تطلعها لنظر غيره لا يزيدها إلا وبالا.. ولا تجني
منه إلا هباء.
[1]
من خطبة الغزالي في مقدمة (كتاب ذم الجاه والرياء)، وهو الكتاب الثامن من ربع
المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين، وننبه إلى أن هذا الكتاب من مراجعنا الأساسية
في هذا المبحث.