قال عيسى: الخامسة
كسر شهوات المعاصي كلها، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي
كلها الشهوات والقوى، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة، فتقليلها يضعف كل
شهوة وقوة.. وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه،
وكما أنك لا تملك الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت، فكذلك
النفس.
قلنا: عرفنا
الخامسة.. فهات السادسة.
قال عيسى: السادسة
دفع المبالغة في النوم، فإن من شبع شرب كثيراً، ومن كثر شربه كثر نومه.. ولأجل ذلك
كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام: (معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا
كثيراً فترقدوا كثيراً فتخسروا كثيراً)
قلنا: عرفنا
السادسة.. فهات السابعة.
قال عيسى: السابعة
تيسير المواظبة على العبادة، فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات، لأنه يحتاج إلى
زمان يشتغل فيه بالأكل، وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه، ثم يحتاج إلى
غسل اليد والخلال، ثم يكثر ترداده إلى دورة المياه لكثرة شربه.. والأوقات المصروفة
إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه.
قال السري:
رأيت مع علي الجرجاني سويقاً يستف منه فقلت: ما حملك على هذا؟ قال: إني حبست ما
بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة.
فانظروا كيف
أشفق هذا الولي الصالح على وقته ولم يضيعه في المضغ.. وكل نفس من العمر جوهرة
نفيسة لا قيمة لها فينبغي أن يستوفى منه خزانة باقية في الآخرة لا آخر لها وذلك
بصرفه إلى ذكر الله وطاعته.