قال شعيب: ولكنه قد يصير ضروريا.. فمن لم يسلك هذا
السبيل أنس بالدنيا وأحبها، فإن كان له ألف متاع كل له ألف محبوب، ولذلك إذا سرق
كل واحد منه ألمت به مصيبة بقدر حبه له، فإذا مات نزل به ألف مصيبة دفعة واحدة
لأنه كان يحب الكل وقد سلب عنه، بل هو في حياته على خطر بالفقد والهلاك.
وقد روي في
هذا أنه حمل إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجواهر لم ير له نظير، ففرح
الملك بذلك فرحاً شديداً فقال لبعض الحكماء عنده. كيف ترى هذا؟ قال: أراه مصيبة أو
فقراً، قال: كيف؟ قال: إن كسر كان مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيراً إليه ولم
تجد مثله، وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر، ثم اتفق يوماً أن
كسر أو سرق وعظمت مصيبة الملك عليه فقال: صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا!
وهذا شأن
جميع أسباب الدنيا فإن الدنيا عدوة لأعداء الله تسوقهم إلى النار، وعدوة أولياء
الله إذ تغمهم بالصبر عنها، وعدوة الله إذ تقطع طريقه على عباده، وعدوة نفسها
فإنها تأكل نفسها، فإن المال لا يحفظ إلا بالخزائن والحراس. والخزائن والحراس لا
يمكن تحصيلها إلا بالمال وهو بذل الدراهم والدنانير، فالمال يأكل نفسه ويضاد ذاته
حتى يفنى، ومن عرف آفة المال لم يأنس به ولم يفرح ولم يأخذ منه إلا بقدر حاجته،
ومن قنع بقدر الحاجة فلا يبخل لأن ما أمسكه لحاجته فليس ببخل، ولا يحتاج إليه، فلا
يتعب نفسه بحفظه فيبذله، بل هو كالماء على شاطئ البحر إذ لا يبخل به أحد لقناعة
الناس منه بمقدار الحاجة.
***
لست أدري كيف
ثارت في نزعة الجدل، فرحت أقطع حديثهم بقولي: ولكن ما تقولون.. ألم تسمعوا قوله
تعالى وهو يسمي المال خيرا في في مواضع من كتابه العزيز، كما قال تعالى :﴿ كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
(180)﴾ (البقرة)، وقال:﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)﴾