لم يلبثوا إلا قليلا حتى صاح إقبال قائلا: إن ما ذكرتموه نبهني إلى
الطريقة المثلى التي نحيي فيها ما أمرنا الله تعالى به في قوله:﴿ هُوَ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61).. فعمارة
الأرض وظيفة من وظائف الإنسان، ولن تتحقق أمة بالشهادة، وهي تفرط في هذه الوظيفة.
قال ديدات: صدقت.. وقد سمعت معلم السلام في حوار له مع تلميذه
(تلميذ السلام)[1]، وقد سأله عن الرفاه، فقال: كيف
يكون وظيفة من وظائف الشهادة؟ فأجابه معلم السلام:(كيف يستطيع مدرب النمور والأسود
أن يتسلط على قوى السبعية في النمر والأسد ليوجهها إلى اللعب واللهو.. فيجعل من
ذلك الذي يخافه الناس على نفوسهم وسيلة رزقه التي يحافظ بها على حياته؟)، فقال
تلميذ السلام:(ما أسهل ذلك ـ يا معلم ـ لقد عرف شهوات النمر والأسد، فراح يتلاعب
به من خلالها)، فقال معلم السلام:(فكذلك من يحيط بكم من الأقوام، استعبدتهم
الدنيا، ولن تجروهم إلى الله إلا بسلاسل الدنيا)
قال إقبال: لقد دلني على هذه الناحية من نواحي الشهادة قوله
تعالى مخبرا عن سليمان u:﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ (صّ:35).. لقد طال فكري
في هذه الآية، وكنت أقول في نفسي: (لقد عهدنا الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ
زاهدين في متاع الدنيا راغبين في الله مكتفين بالله، فكيف طلب سليمان u هذا الطلب الغريب؟)
لكن الله هداني إلى سر ذلك.. فعلمت ـ أولا ـ أن سليمان u طلب ذلك الملك، وبتلك
الصورة التي لا ينازعه فيها أحد، ليكون حجة على من شغله ملكه عن الله، وكأن سليمان
u يقول لربه:(يارب
هب لي من الملك ما تشاء.. بل هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي