كل كلمة منها منفصلة عن التي قبلها، لها حكم برأسه[1].. وقد تأملت هذه الكلمات، فوجدت
جميعا تتحدث عن العدل في صورته المطلقة الكاملة الجميلة، وهي الصورة التي تجعل
الناس لا محالة يدخلون في دين الله أفواجا.
أما الكلمة الأولى، فقوله تعالى:﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ
﴾ أي: فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب
الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم[2]، فادعُ الناس إليه.. وفي هذا
منتهى العدل، فالنبي a أمر
بأن يحكم الناس بأصول الشرائع التي اتفقت عليها الملل، وهي لا تتفق إلا على ما
يتفق مع العدل والفطرة.
أما الكلمة الثانية، فقوله تعالى:﴿ وَاسْتَقِمْ كَمَا
أُمِرْتَ ﴾ أي: استقم أنت يا محمد ومن اتبعك على عبادة الله، كما أمركم
الله عز وجل.. وفي هذا منتهى العدل.. فالعادل هو الذي يبدأ بنفسه.. وهو الذي يطبق
ما يقتضيه العدل على نفسه قبل أن يطبقه على غيره.
أما الكلمة الثالثة، فقوله تعالى:﴿ وَلا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ ﴾ لأن العادل هو الذي جعل السلطة للقانون لا للهوى.. كما قال
تعالى لداود u:﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾
(صّ:26)، فقد أخبر الله في هذه الآية الكريمة أن الهوى لا نتيجة له إلا الإضلال عن
سبيل الله.
أما الكلمة الرابعة، فقوله تعالى:﴿ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا
أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ﴾ أي: صدقت بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء،
لا نفرق بين أحد منهم.. وفي هذا منتهى العدل في التعامل