قلت: هذا فعل رسول الله a.. فما فعل الورثة من بعده؟
قال: لا يكتمل إرث الوارث حتى تصح نسبته لمورثه.. ورسول الله a لم يورث دينارا ولا درهما وإنما ورث
علوما وأعمالا وأحوالا.. فمن أخذ حظه منها، فهو الوارث.
قلت: فأخبرني من أخبارهم ما يطمئن به قلبي، وتسكن له نفسي، وتقر له
عيني، وتنبعث به همتي.
قال: أما أصحاب رسول الله a الذين تتلمذوا على يديه، فقد كانوا أعظم الناس مخافة لله، وقد وصفهم
علي فقال:(لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله a، فما أري أحداً يشبههم، والله إن كانوا
ليصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم مثل ركب المعزي، قد باتوا يتلون كتاب الله
يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة فى يوم ريح،
فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين)
قلت: هؤلاء أصحاب رسول الله a.. فما فعل من بعدهم؟
قال: أ
منهم منهم من سار على هديهم، وسلك سبيلهم، وهؤلاء لا تخلو منهم الأرض..
وقد وصفهم علي فقال:(لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهر مكشوف وإما خائف
مقهور لكيلا تبطل حجج الله تعالى وبيناته، وكم وأين أولئك؟ هم الأقلون عدداً
الأعظمون قدراً، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، يحفظ الله تعالى بهم
حججه حتى يودعوها من وراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة
الأمر فباشروا روح اليقين فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه
الغافلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك أولياء الله عز
وجل من خلقه وأمناؤه وعماله في أرضه