وذكروا أنه لا ينبغي له أن يسرد الكلام سرداً، بل يرتله ويرتبه
ويتمهل فيه ليفكر فيه هو وسامعه..
قلنا: فحدثنا عن العاشر.
قال: هو ما أشار إليه قوله تعالى:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159)
قلنا: هذه الآية جامعة من جوامع العلم، فما حظ المعلم منها؟
قال: لقد ذكر سلفنا عن سلفهم في ذلك آدابا:
منها أن يتودد المعلم لكل غريب أو جديد حضر عنده، وينبسط له لينشرح صدره،
فإن للقادم دهشة.. ونصحوا بأن لا يكثر الالتفات والنظر إليه استغراباً له، فإن
ذلك يخجله.
وذكروا أنه إذا أقيل بعض الفضلاء، وقد شرع المعلم في مسألة أمسك عنها
حتى يجلس، وإن جاء وهو يبحث في مسألة أعادها له أو أعاد مقصودها، وإذا أقبل فقيه
وقد بقي لفراغه وقيام الجماعة بقدر ما يصل الفقيه إلى المجلس، فليؤخر تلك البقية
ويشتغل عنها ببحث أو غيره إلى أن يجلس الفقيه، ثم يعيدها أو يتم تلك البقية كيلا
يخجل المقبل بقيامهم عند جلوسه.
ومنها أن يلازم الِإنصاف في بحثه وخطابه، ويسمع السؤال من مورده على
وجهه وإن كان صغيراً، ولا يترفع عن سماعه فيحرم الفائدة، ويكلم كل أحد على قدر
عقله وفهمه، فيجيب بما يحتمله حال السائل، ويتروى فيما يجيب به، وإذا سئل عما لم
يعلمه قال: لا أعلم أو لا أدري فمن العلم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم، أو الله
اعلمِ، فقد قال ابن مسعود : (يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم
فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم)، وعن بعضهم: (لا
أدري نصف العلم)