استعمال العقل والتأمل، لقد قال تعالى مبينا الغرض من نزول القرآن
الكريم:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (صّ:29)
فلآلئ الحقائق وجواهرها لا يمكن أن ينالها من قعد به عقله عن التفكير
والتأمل، التفكر الذي لا ينشغل بالظواهر عن البواطن، أو ينشغل بالطلاء على الحقيقة.
ألم تسمع إلى الغزالي، وهو يقول في (جواهر القرآن):(إني أنبهك على رقدتك
أيها المسترسل في تلاوتك، المتخذ دراسة القرآن عملا، المتلقف من معانيه ظواهر
وجملا، إلى كم تطوف على ساحل البحر مغمضا عينيك عن غرائبها، أو ما كان لك أن تركب
متن لجتها لتبصر عجائبها، وتسافر إلى جزائرها لاجتناء أطايبها، وتغوص في عمقها،
فتستغني بنيل جواهرها، أوما تعير نفسك في الحرمان عن دررها وجواهرها بإدمان النظر
إلى سواحلها وظواهرها)[1]
قلت: بلى.. وقد سمعته ينقل عن بعضهم قوله:(من بلغه القرآن فكأنما
كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب
مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه)
قال: لا تحسبن هؤلاء الورثة مبتدعين في هذا، فإن القرآن كلام الله،
وكلام الله لا يمكن لأحد أن يحصي أغراضه..
ولكن تحصيل كل هذا يحتاج إلى التأمل والتدبر والمعاناة.. فلا يمكن لعقول
كسول أن يخرج بالقرآن عن كسوة الألفاظ التي جاء بها.. ولهذا، فإن المعلم الكامل هو
الذي يربي تلاميذه على استعمال عقولهم، لا الذي يحضهم على التقليد.
ولهذا يعقب الله تعالى على القضايا التي لا يمكن للعقل أن يعرفها
بادئ الرأي بكونها