محبتي، أولئك قطاع الطريق على عبادي، يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن
له خادماً؛ يا داود من رد إلي هارباً كتبته جهبذاً، ومن كتبته جهبذاً لم أعذبه
أبداً)
وذكر لنا أن رجلاً كان يخدم موسى u، فجعل يقول: حدثني موسى صفي الله، حدثني
موسى نجي الله، حدثني موسى كليم الله، حتى أثرى وكثر ماله، ففقده موسى u فجعل يسأل عنه، ولا يحس له خبراً حتى
جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود، فقال له موسى u: أتعرف فلاناً؟ قال: نعم، قال: هو هذا
الخنزير، فقال موسى: يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله بم أصابه هذا؟ فأوحى
الله عز وجل إليه: لو دعوتني بالذي دعاني به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه، ولكن
أخبرك لم صنعت هذا به؟ لأنه كان يطلب الدنيا بالدين.
التفت إلينا الشنقيطي، وقال: أتدرون سر كل هذه التشديدات؟
قلنا: ما سرها؟
قال: شيئان: أما أحدهما، فيرتبط بالعالم الذي انشغل بالعلم عن العمل،
وأما الثاني، فبالذين يرون العالم، ويسمعون منه.
قلنا: فحدثنا عن الأول.
قال: لقد ضرب الله تعالى لذلك مثلين، فقال في أولهما:﴿
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ
بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (لأعراف:175 ـ 176)، فهو مثال على من تبحر في علوم كثيرة،
ربما نال منها ثمرات غيرت مسار حياته المادية، ولكنه لم يلتفت إلى حقيقته التي
تحولت كلبا إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، انسلخ من إنسانيته لأنه انسلخ قبل
ذلك من آيات ربه.