قال آخر: في قوله a:(أرأيتكم
لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟) إلزام للمحاور..
حيث مهّد a لخطابه معهم بجعلهم يُقرّون له
بالصدق والأمانة، مما يلزمهم التصديق بما يقول خاصة في قوله على الله تعالى، فما
كان ليترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله تعالى.
قال آخر: في الحديث نرى ـ أيضا ـ ما كان عليه a من الصبر على رد الطرف المخالف، ولو
أساء الأدب.. فالنبي a لم
يرد على أبي لهب إساءته، إنما تولى الله تعالى الرد، وذلك ليكون عبرة لمن يعتبر.
فالمطلوب منا هو التحمل والصبر، ولا نغضب لأنفسنا، لعل الطرف الآخر
يرعوي أو يشعر بسوء تصرفه فيندم ويكون سبا في تراجعه عن مذهبه السيىء، كما قال
تعالى:﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ﴾ (فصلت:34)
انتقلت إلى حلقة أخرى.. سمعت القارئ فيها يقرأ ما حدث به ابن اسحق من
أن عتبة بن ربيعة ـ وكان سيدا ـ قال يوما ـ وهو جالـس في نادي قريـش ورسول الله a جالس في المسجد وحده ـ: يا معشر قريش
ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف
عنّا؟ ـ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله a يزيدون ويكثرون ـ فقالوا: يا أبا الوليد
قُم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله a فقال له: (يا ابن أخي، إنك منا حيث قد
علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرّقت
به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم،
فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها)
قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا
جمعنا لك من أموالنا