يستهلكون تلك الوسائل وعقولهم.. بل حتى أجسادهم.. فكم رأيت من شباب
يضع السماعات على أذنه ليرقص معها بالحركات التي توحيها له الموسيقى التي أبدع
ورثة الشياطين في التلاعب بها؟
ووجدتهم لا يكتفون بكل ذلك مما يخص العامة البسطاء.. بل رأيتهم ببصري
وبصيرتي يدخلون الجامعات ومراكز العلم والثقافة ليملأوها بما شاءت لهم أهواؤهم من
أطروحات تلبس لباس العلم، لتجعله ذريعة لجهل مركب يستحيل محوه، ولو صبت عليه جميع
بحار الدنيا.
ووجدتهم فوق ذلك كله يصرفون أموالا ضخمة.. لا مكاسب واضحة لها.. ولكن
مكاسبها الخفية أعظم من كل المكاسب.. إن مكاسبها هي استعباد الإنسان نفسه، ليصبح
لعبة بين يدي تلك الوسائل تملي عليه ما تشاء، فلا يجد نفسه إلا مسوقا للتحرك حسب
رغبتها.
بعد أن امتلأت ألما بكل هذا.. رحت أبحث في واقعنا.. نحن المسلمين..
نحن الذين كلفوا بأن يحملوا رسالة أعظم الأنبياء ليبلغوها إلى الأرض، فيطهروها
بذلك البلاغ من ورثة الشياطين، ومن رجس أذنابهم وذيولهم.. فازددت ألما على ألم،
وحزنا على حزن:
لقد رأيت الخطيب الذي يصعد المنبر وحوله الألوف المؤلفة.. فلا يلتفت
لهم، ولا يحاول أن يسمعهم رسالة ربهم، وهدي نبيهم، بل ينشغل بورقته يقرأ حروفها
حرفا حرفا.. وأحيانا تتوقف به الحروف، فيقرأ ما لا يفهم، ويسمعهم ما لا يفهمون..
وتنصرف بعدها الألوف المؤلفة، وكأنها كانت تمثل تمثيلية ساخرة، ولم تكن تسمع كلام
ربها أو هدي نبيها.
ورأيت الواعظ الذي ينشغل بالسجع والجناس والطباق والحروف التي لا نقط
لها والجمل التي تقرأ من الجهتين عن التسلل إلى القلوب لمحو الران الذي يغشاها،
والسموم التي تقتلها، والظلام الذي يسكنها.
ورأيت المفتي الذي يوزع الفتاوى بحسب هواه، يفتي في كل شيء، ولا
يتورع عن