أن مملكتهم هي الدنيا كلها؛ فكان براهمة الهند ومتصوفوها يرون
أن بلادهم هي أرض الله الممتازة، وما خرج عنها لا نصيب له من رحمة الله؛ لأن الله
لا يريد الخير إلَّا لقُطَّان بلادهم، وأمر الرسالة الإلهية والهداية الربانية قد
اختُصّ به بعض البيوتات من سدنة المعابد لا يعدوهم أبدًا.
وهكذا نطق أتباع زرادشت، حين حسبوا أن الإله إنما يُعنَى بأمر
بلادهم المقدسة وحدها، وبأهل وطنهم الأخيار، ولا تعنيه بلاد أخرى ولا أُمّة أخرى.
وهكذا فعل بنو إسرائيل، حين ظنوا أن رسالات الله خاصة ببعض
أسباطهم، وأنها حقهم الموروث..
أما الإسلام؛ فقد اختلف موقفه في هذا عن موقف الكل..
لقد وَسَّع علَى الإنسانية ما ضيَّقه الآخرون، وأعلن أن الناس
كلهم سواسية، وأن دعوة الله غير مخصوصة ببلاد دون أخرى؛ فمشرق الدنيا ومغربها
وشمالها وجنوبها وفلسطين وفارس والهند، كل قد خلا فيها رسول أو نبي، وأن الله ـ
تعالى ـ تستوي عنده الأمم واللغات في بعثة الأنبياء؛ فشمس النبوة أشرقت علَى البشر
جميعًا، وتلألات فيهم أنوار الرسالة:﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر:24)..
﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد: 7)..
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ
فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ
حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم:47)
لقد رأيت اليهود لا يؤمنون بنبي ليس منهم.. ورأيت المسيحيين لا
يوجبون علَى أنفسهم الإيمان بنبي من بني إسرائيل أو غيرهم، ولا يرون إذا لم يؤمنوا
ببعض الأنبياء أن ذلك يخلّ بشيء من دينهم.. ورأيت الهنادك لا يعتقدون بأن الإلهام
الآلهي والوحي الرباني نزل علَى بلاد غير بلادهم.. وهكذا شأن المجوس أتباع زردشت؛
فإنهم يذهبون إلَى أن الدنيا كلها مظلمة سوداء؛ فلا نور إلَّا ببلادهم بلاد النار.