ذكرت تفاصيل كل ذلك بدقة لا نجدها في أي كتاب مقدس..
وقد كان ذكرها لها من أدلة يقيني بأن هذه الحقائق يستحيل أن
تكون إلا من الله.. فالله الذي أرنا مصنوعاته في الدنيا ودلائل قدرته فيها هو نفسه
الذي يرينا مصنوعاته المرتبطة بالعالم الغيبي ودلائل قدرته فيها.
وهذه الحقائق التي كان محمد يصفها بكل دقة لم تكن مجرد حقائق
ترضي الخيال والفضول.. بل كانت حقائق إيجابية لها تأثيرها الكبير في السلوك
والحياة..
لقد ورد في الحديث: أن محمدا لقي رجلا يقال له حارثة في بعض سكك
المدينة، فقال: كيف أصبحت يا حارثة قال: أصبحت مؤمناً حقاً، فقال: إن لكل إيمان
حقيقة فما حقيقة إيمانك قال: (عزفت نفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي،
وكأني بعرش ربي بارزاً، وكأني بأهل الجنة في الجنة ينعمون فيها، وكأني بأهل النار
في النار يعذبون) فقال محمد: (أصبت فالزم.. مؤمن نور الله قلبه)[1]
وهكذا استطاع محمد أن يربي في أتباعه كل خلال الإيمان التي عجز
كل المربين عن تربية أتباعهم عليها، بسبب ربطهم بحقيقة العالم وحقيقة الوجود..
فإذا بهم ينطلقون من القيود الضيقة التي تربطهم بالوجود الأدنى ليترفعوا عنها إلى
الوجود الأعلى.
لقد قال القرآن مقارنا بين هذه الحياة والحياة الآخرة التي
تنتظر كل البشر:﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ
وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت:64)
العبادة:
قال رجل من الجمع: عرفنا هذا، وقد شوقتنا للبحث فيه.. فحدثنا عن
الجانب الثاني،