قال جعفر: وقد قال النبي a عندما سئل عن الإحسان: (أن تعبد
الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[1]، وقال: (اعبد الله كأنك تراه،
واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وكل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل
بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية)[2]
قال الشاب: ألا ترى أن هناك تناقضا بين الآية، وهذين الحديثين؟
قال جعفر: يستحيل أن يحصل التناقض بين الوحيين.. فمحمد a ﴿ مَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ (النجم)
قال الشاب: فكيف تفسر إمكانية الرؤية التي نص عليها الحديث مع
عدم إمكانيتها التي نصت عليها الآية؟
قال جعفر: الرؤية رؤيتان: رؤية مقيدة، تضع المرئي في حيز محدود
تضيق عليه بها الخناق، وهي الرؤية التي طلبها بنو إسرائيل حين قالوا لموسى u:﴿ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً
﴾ (النساء: 153)[3].. وطالب هذه الرؤية لا يعرف الله..
لأن الله لا يعرفه إلا من ينزهه.. ولا ينزهه من يطلب مثل هذه الرؤية.. وإلى هذه
الرؤية الإشارة بقوله تعالى:﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام:103)
ورؤية مطلقة.. لا محدودة.. وهي رؤية يصاحبها التنزيه والتعظيم..
ولكن الحقائق ـ مع ذلك ـ تنكشف عندها انكشافا أعظم من انكشاف البصر، وإلى هذه
الرؤية الإشارة بالأحاديث