في اليوم الثاني، وبعد أن امتلأت قناعة بالسياسة الحكيمة التي
انتهجها محمد المهدي والفريق الحاكم معه، طلبت منه أن يسمح لي بزيارة مؤسسات
مدينته المختلفة، والتي يتم من خلالها الحكم المباشر للرعية، ويتم من خلالها تقديم
الخدمات المختلفة، فأذن لي، واعتذر عن عدم إمكانه صحبتي بسبب ما تتطلبه وظيفته من
أعمال.
لقد رأيت جميع إدرات المدينة في منتهى الدقة والنظام.. وكانت
الرعية بسبب ذلك في غاية الراحة والطمأنية.. فلم تكن حقوقها تضيع، ولا مصالحها
يعبث بها.
بعد عودتي في المساء إلى بيت محمد المهدي سألته عن سر ذلك،
فقال: ألم أقل لك: إن كل ما تراه في هذه المدينة من استقرار وسعادة ونظام بركة من
بركات الاهتداء بسنة النبي a..
قلت: فأي السنن جعل لإدارتكم هذه الكفاءة.
قال: ثلاث سنن من سنن المصطفى a.
الكفاءة:
قلت: فما أولاها؟
قال: الكفاءة.. إن كل من رأيتهم من
الموظفين لم يعينوا إلا بسبب كفاءتهم.
قلت: أهذه سنة من سنن محمد؟
قال: هذه من أعظم سنن محمد a.. ولا يكون الوارث وارثا حتى يكون له
الحظ الوافر منه.
قلت: والطبقية.. تلك العقبة الكؤود التي
تحول بين الكفاءات والمناصب التي تصلح لها.