التعليم الذي استفاده الورثة من رسول
الله a هو التزهيد في الدنيا، وفي
متاعها الحقير، حتى لا ينشغل طالب العلم بشهواته عن الرسالة العظيمة التي يحملها..
يقول الغزالي: (إن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها
وانصرامها وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها ويعلم أنهما متضادتان،
وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، وأنهما ككفتي الميزان مهما رجحت
إحداهما خفت الأخرى، وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر،
وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلىء
يفرغ الآخر. فإن من لا يعرف حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذاتها بألمها ثم
انصرام ما يصفو منها فهو فاسد العقل. فإن المشاهدة والتجربة ترشد إلى ذلك فكيف
يكون من العلماء من لا عقل له؟ ومن لا يعلم عظم أمر الآخرة ودوامها فهو كافر مسلوب
الإيمان فكيف يكون من العلماء من لا إيمان له ومن لا يعلم مضادة الدنيا للآخرة وأن
الجمع بـينهما طمع في غير مطمع؟ فهو جاهل بشرائع الأنبـياء كلهم، بل هو كافر
بالقرآن كله من أوّله إلى آخره، فكيف يعدّ من زمرة العلماء؟ ومن علم هذا كله ثم لم
يؤثر الآخرة على الدنيا فهو أسير الشيطان قد أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته فكيف
يعد من حزب العلماء من هذه درجته؟)[1]
وما ذكره الغزالي هو ما ورد التصريح به
في الأحاديث الكثيرة، فالنبي a
يقول: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من
الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)[2]
ويقول: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء
أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه