وإلى هذه الدرجة الإشارة بقوله a: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)[1]
وفي رواية للحديث أن النبي a قال لرجل: (دع ما يريبك إلى ما لا
يريبك)، فقال الرجل: وكيف لي بالعلم بذلك؟ قال: (إذا أردت أمرا، فضع يدك على صدرك،
فإن القلب يضطرب للحرام، ويسكن للحلال، وإن المسلم الورع يدع الصغيرة مخافة
الكبيرة)[2]
وفي رواية للحديث عن النبي a قيل له: فمن الورع؟ قال: (الذي يقف عند
الشبهة)[3]
قال رجل من الجمع: فما ضابط هذه الدرجة؟
قال بشر: ضابط هذه الدرجة هي أن تغلب
الاحتياط، وأن تبتعد عن حمى الحرام قدر ما أطقت.. فقد قال a لعدي بن حاتم في الكلب المعلم: (وإن
أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه)[4]
فقد قال a هذا لعدي بن حاتم على سبيل التنزيه لا
على سبيل الإلزام، بدليل أنه قال لأبي ثعلبة الخشني: (كل منه)، فقال: وإن أكل منه؟
فقال: (وإن أكل)، وذلك لأن حالة أبي ثعلبة، وهو فقير مكتسب لا تحتمل هذا الورع،
وحال عدي كان يحتمله.
قال رجل من الجمع: لقد ذكرت أن هذا هو
ورع الصالحين.. فكيف نرى بعضهم، وقد سئل عن دم البعوض، فيقول: يسألونني عن دم
البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النبي a يقول: (هما ريحانتاي من الدنيا)[5]؟
قال بشر: صدق.. فإن التدقيق في التوقف عن
الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع،
فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة،