نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 503
فالحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة في العالم التي اجتمع
لها هذان الركنان، ولم يتفرقا طيلة تاريخها.
قلت: فكيف انسجمت حضارة الإسلام مع الفطرة
والسلام؟
قال: إن المفهوم الإسلامي للحضارة ينطلق من
تصوره لوظيفة الإنسان في هذا الوجود.. والذي يسميه الإسلام (العبادة)[1]..
فالعبادة هي غاية الوجود الإنساني التي حددها القرآن:﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ (الذاريات)
فتحقيق غاية الوجود الإنساني هو الذي نشأت
عنه الحضارة في الواقع البشري، وهو المعيار الذي تقوّم به صعودا أو هبوطا،
واستقامة أو انحرافا.
وحين تختلف النظرة إلى غاية الوجود الإنساني
تختلف النظرة إلى الحضارة، وتختلف النظرة كذلك إلى التاريخ.
فحين تكون غاية الوجود الإنساني هي الفناء
في الكائن الأعظم كما تقول (النرفانا) أو الخلاص من ربقة الجسد وإطلاق الروح لتتحد
مع الخالق.. تصبح الحضارة هي تحقيق عالم الروح على حساب الجسد، وعلى حساب الجانب
المادي من عمارة الأرض.
وحين تكون غاية الوجود الإنساني هي
الاستمتاع بما في الأرض من متاع، بصرف النظر عن القيم المصاحبة لهذا المتاع من
حلال وحرام، وخير وشر، وفضيلة ورذيلة، ورفعة وانتكاس.. تكون الحضارة هي العمارة
المادية للأرض، وهي تيسير الحياة الأرضية وتزيينها، والانكباب على متعها ولذائذها،
وتكون في الوقت ذاته هي محاولة التغلب على الآخرين للاستئثار بأكبر قدر من المتاع،
ومحاولة إخضاعهم بالقوة والقهر، سواء بالقوة المادية أو القوة العسكرية أو القوة
السياسية أو القوة الاقتصادية أو القوة العلمية.. أو كلها جميعا..
[1] انظر: مذاهب فكرية معاصرة
لمحمد قطب وغيره من كتبه وكتب سيد قطب.