أما أولاهما، وهي أخطرهما، فهي محاولة حصر الله بحدود العقل.. أو محاولة العقل التعرف على الله من خلال العقل المجرد.
وأما الثانية، فهي حصر العلاقة بالله في الجانب العقلي المجرد كما فعلت الفلسفة من غير تفاعل الوجدان.
قلت: سلمت بأن الثانية تنافي الروحانية.. ولكن الأولى لا أرى أنها تنافيها.
قالت: بل تنافيها.. لأن للعقل حدودا لا يستطيع أن يتجاوزها.. سأضرب لك مثالا يوضح لك ذلك:
أرأيت لو أن أحدهم دق عليك الباب، ولم تكن تعرفه، هل تستطيع ـ من خلال الاستدلال العقلي ـ أن تستدل على طوله ولونه واسمه ونسبه؟
قلت: لا.. فعقلي أقصر من أن يعرف ذلك.
قالت: ولكنك تستطيع أن تعرف أشياء من خلال هذا التصرف.
قلت: أجل..
قالت: فهذا هو دور العقل.. فهو يفتقر لمعرفة التفاصيل لأن يفتح له الباب حتى يتعرف على التفاصيل.
قلت: فقد فتح لنا الباب بالمسيح.
قالت: نعم.. فتح الباب بالمسيح.. ولكنا ـ معشر المسيحيين ـ أغلقنا باب المسيح، وفتحنا باب بولس.. وأبواب المجامع المقدسة.. فسقطنا في الخرافة.
قلت: فكيف نرجع إلى باب المسيح؟
قالت: بباب محمد.. فلا يمكن أن نفهم المسيح دون أن نمر على باب محمد.
الإنسانية: