نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 238
درجاتها.
لقد بحثت في تاريخ أوربا في العصور الوسطى [1] ـ في الوقت الذي كان فيه المسلمون
يدا واحدة وقلبا واحدا ـ فوجدت طبقات النبلاء أو الأشراف، ورجال الدين والشعب،
طبقات متميزة محدَّدة المعالم يختلف بعضها عن بعض، بحيث لا يخطئ الإنسان معرفتها
بمجرد النظر.
فرجال الدين لهم ثيابهم الخاصة التي تميزهم، وكان لهم في تلك
العصور سطوة كبرى، فكان البابا سلطة مناوئة للملوك والأباطرة، يريد أن يزعم أنه هو
الذي يمنحهم السلطان على الشعوب، ويريدون هم أن ينسلخوا من سلطته ويستقلوا
بأنفسهم. وكانت لهم كذلك أموال طائلة من الأوقاف التي وقفها عليهم المتدينون، ومن
الإتاوات التي يفرضونها هم على الناس، بل كانت للكنيسة جيوش كاملة في بعض الأحيان.
أما الأشراف فكانوا طبقة تتوارث الشرف بعضها عن بعض، بحيث يولد
الطفل فإذا هو شريف منذ مولده، ويظل شريفاً حتى يـموت، بصرف النظر عن الأعمال التي
يقوم بها في حياته، وقر بها أو بعدها من هذا الشرف المزعوم.
أما امتيازاتهم فكانت في عهد الإقطاع سلطاناً مطلقاً على الشعب
الموجود في الإقطاعية.. كانوا هم السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وكانت
أهواؤهم ونزواتهم هي القانون الذي ينفذ على الشعب، وكانت تتكون منهم المجالس
النيابية التي تشرع للبلاد، فكانت تشريعاتهم لا تهدف إلا حمايتهم والاحتفاظ لهم
بامتيازاتهم وإضفاء صفة القداسة عليها.
أما الشعب فهو ذلك الهمل الذي لاحقوق له ولا امتيازات، وإنما
عليه الواجبات كل الواجبات، وكان يتوارث الذل والفقر والعبودية جيلاً بعد جيل.