لقد كان الحسين هو مثال التضحية والثبات في أرفع درجاتها..
لقد سمعت حديثه من أبي.. وأبي سمعه من آبائه.. كنا
ننشده، فنمتلئ عزة وأنفة..
نعم نمتلئ معهما حزنا.. ولكنه حزن لا يختلف عن حزن
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على الإعراض عنه وعن دين الله..
فلذلك اسمح لي.. واسمحوا لي أيها الجمع المبارك أن
أنشد لكم تلك الملحمة البطولية العظيمة التي زرعت في الأمة من العزة والأنفة من أن
تذل ما لم تستطع جميع المدارس أن تزرعه..
بصوت مختلط بحشرجة الدموع أخذت بنت الهدى تنشد الجمع
ملحمة الحسين، قالت: في ذلك المحل الرفيع قام الحسين، وقال لأصحابه الذين وقفوا
معه بعد أن حمد الله وأثنى
عليه:(أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل
بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ
كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء
القوم، فإنهم لا يريدون غيري)
في ذلك المحل الحرج قال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر[2]: (ولم نفعل ذلك، لنبقي بعدك! لا أرنا الله
ذلك أبداً).. وبدأهم بهذا القول العباس بن علي[3]، ثم تابعوه.
[2] عبدالله بن جعفر بن أبي طالب،
صحابي، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين،
كان كريماً يسمى بحر الجود، وللشعراء فيه مدائح، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم
صفين، توفي بالمدينة سنة 80 هـ، وقيل: غير ذلك.
[3] هو أبو الفضل العباس بن الامام علي
بن أبي طالب وُلد سنة (26 هـ) في اليوم الرابع من شهر شعبان. له العديد من
الألقاب و منها قمر بني هاشم، والسقّاء (لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت) و بطل
العلقمي (العلقمي هو اسم للنهر الذي استشهد على ضفافه) و حامل اللواء و كبش
الكتيبة (لدوره في معركة كربلاء) و العميد و حامي الظعينة (لدوره في حماية وحراسة
نساء أهل البيت طيلة انتقالهنّ من يثرب إلى كربلاء). استشهد مع أخيه الإمام الحسين
بن علي بن أبي طالب في واقعة الطف في يوم عاشوراء سنة 61 هـ في كربلاء على يد
الجيش الأموي.