ففي هذه الأحاديث إثبات للمداواة، وحث عليها، وتعريف
بأنها سبب للشفاء.. وأن الأدوية ليست سوى أسباب خلقها الله وسائل للشفاء، والأخذ
بسنة الله في كونه.
وفي قوله a: (علمه من علمه،
وجهله من جهله) حث للأطباء المسلمين على البحث والاستقصاء لاكتشاف أدوية للأمراض
التي لم يعرف لها بعد دواء ناجع، واستخراج أدوية أفضل من سابقتها.
وفي تأكيد النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم
أن لكل داء دواء تقوية لنفس المريض عندما يستشعر بنفسه وجود دواء لدائه يقوى به
رجاؤه وترتفع معنوياته ويذهب توهمه الذي هو عدو آخر بعد المرض.
وقد علق النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم
البرء بموافقة الدواء للداء، فللأدوية مقادير معينة تفعل بها يجب ألا تزيد عنها
ولا تنقص.. وفي هذا حث للأطباء على زيادة معرفتهم ومهارتهم في الطب وعلومه ليتسنى
لهذه المعرفة أن تصيب الداء بالمقدار المناسب من الدواء.
وفوق
ذلك، فقد نصت الشريعة على جميع ما يرتبط بالأخلاق الطبية والقوانين التي تحميها..
ومن ذلك أنها أوجبت الضمان على من استغل حاجة الناس للتداوي، فراح يصف له
من الأدوية من غير أن يكون له علم بذلك، ففي الحديث قال a:(مَنْ
تطبَّبَ[1] ولم يُعْلَم مِنْهُ الطِّبُّ قَبْلَ ذلك،
فهو ضَامِنٌ)[2]
فالحديث يدل على أنه لا يحل لأحد أن يتعاطى صناعة من الصناعات وهو لا
يحسنها، سواء كان طباً أو غيره، وأن من تجرأ على ذلك، فهو آثم.. وما ترتب على عمله
من تلف نفس أو عضو أو نحوهما، فهو ضامن له، وما أخذه من المال في مقابلة تلك
الصناعة التي لا يحسنها،
[1] قال a:« مَنْ تَطَبَّبَ »، ولم يقل: مَن
طَبَّ، لأن لفظ التَّفعل يدل على تكلُّف الشىء والدخول فيه بُعسر وكُلفة، وأنه ليس
من أهله، كتَحَلَّم وتشجَّع وتصبَّر ونظائرِها، وكذلك بَنَوْا تكلَّف على هذا
الوزن.