الذي يرى ما هو خير فينشئه ويبقيه، وهو وحده الذي يقدر أحسن
وضع للخلق فينشئه فيه ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
﴾ (المؤمنون).. ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَى (50)﴾ (طه).. ﴿.. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (48)﴾ (المائدة)
وبهذا يقطع التعطيل والإرجاء والسلبية، والإحالة على مشيئة
الله في المعصية، أو الشلل والجمود والسلب.. وقد علم أن الله لا يرضى لعباده
الكفر. وأنه لا يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولا يرضى أن يترك المنكر بلا
جهاد، ولا أن يترك الحق بلا نصرة، ولا أن تترك الأرض بلا خلافة، وقد علم أن
الإنسان في هذه الدنيا للابتلاء بالخير والشر، وللامتحان في كل حركة وكل حالة،
وأنه مجزي على الحسنة وعلى السيئة في دار الحساب والجزاء.. وأنه كذلك مستخلف في
هذه الأرض، وأن له مكانه في هذا الكون، وله دوره في ما يقع في هذه الأرض من تغيير
وتطوير، وأنه إما ناهض بهذه الخلافة - وفق منهج الله- فمثاب، وإما ناكل التبعة
فمعاقب. ولو كان النكول خوفاً من التبعة، وفراراً من الابتلاء!
قال الرجل: كيف تزعم أن الإسلام جاء بالتوازن التي تتطلبه الفطرة
مع أن الإسلام يعتبر الإنسان مجرد عبد لله مع أن فطرته تعتبره كائنا مكرما محترما
حرا؟
قال الصدر: لقد وازن الإسلام بين هذا وذاك.. وازن بين عبودية
الإنسان المطلقة لله، ومقام الإنسان الكريم في الكون.. وقد سلم التصور الإسلامي في
هذا الصدد من كل الهزات التي تعاورت المذاهب والمعتقدات والتصورات التي وقعت بين
تأليه الإنسان في صوره الكثيرة، أو تحقير الإنسان إلى حد الزراية والمهانة.
إن الإسلام يبدأ فيفصل فصلاً تاماً كاملاً بين حقيقة
الألوهية، وحقيقة العبودية.. وبين مقام الألوهية ومقام العبودية.. وبين خصائص الألوهية
وخصائص العبودية.. بحيث لا تقوم شبهة أو غبش حول هذا الفصل الحاسم الجازم.