والمسلم يأخذ بالأسباب، لأنه مأمور بالأخذ بها، ويعمل وفق
السنة، لأنه مأمور بمراعاتها.. لا لأنه يعتقد أن الأسباب والوسائل هي المنشئة
للمسببات والنتائج.. فهو يرد الأمر كله إلى خالق الأسباب، ويتعلق به وحده من وراء
الأسباب، بعد أداء واجبه في الحركة والسعي والعمل واتخاذ الأسباب.. طاعة لأمر
الله.
وهكذا ينتفع المسلم بثبات السنن في بناء تجاربه العلمية
وطرائقه العملية، في التعامل مع الكون وأسراره وطاقاته ومدخراته، فلا يفوته شيء من
مزايا العلوم التجريبية والطرائق العملية، وهو في الوقت ذاته موصول القلب بالله،
حي القلب بهذا الاتصال، موصول الضمير بالمشاعر الأدبية الأخلاقية، التي ترفع العمر
وتباركه وتزكيه، وتسمو بالحياة الإنسانية إلى أقصى الكمال المقدر لها في الأرض،
وفي حدود طاقة الإنسان[1].
إضافة إلى هذا نجد في العقيدة الإسلامية التوازن في النظرة
للدنيا والآخرة.. فالإسلام يقول لنا: إن الدنيا دار ابتلاء وعمل.. وإن الآخرة دار
حساب وجزاء.. والحياة في هذه الأرض مرحلة محدودة في الرحلة الطويلة.. وما يقع
للإنسان في هذه الأرض ليس خاتمة الحساب ولا نهاية المطاف إنما هو مقدمة لها ما
بعدها، واختبار تقدر له درجته هناك في دار الحساب.
وبهذا يحل الإسلام الجانب الشعوري من هذه المشكلة في الضمير
البشري، ويكسب فيه الطمأنينة والاستقرار، فالألم الذي يلقاه الخيّر في هذه الأرض
من جراء وجود الشر والنقص فيها، ليس هو كل نصيبه، فهناك النصيب الذي يعادل بين
كفتي الميزان في شطري الرحلة، والشطران موصولان. تسيطر عليهما إرادة واحدة. ويحكم
فيهما حكم واحد لا يند عن علمه شيء ولا يختل في ميزانه شيء.
ثم هو يخاطب الحقيقة الشعورية التي يجدها الإنسان في أعماق
ضميره، وهي أن شعور
[1] انظر تفاصيل هذا وأدلته
والإجابة على الشبه المرتبطة به في رسالة (أسرار الأقدار) من هذه السلسلة .