قال: ولهذا.. فإن الله سبحانه برحمته بعباده ولطفه بهم لم
يترك هذا الباب لتقلبات الأيام.. وتغيرات الدول.. وأمزجة الحكام..
ففي الوقت الذي كان فيه لويس الخامس عشر يقول: (أنا الدولة
والدولة أنا) كان قضاة المسلمين يقفون بكبرياء أمام أي حاكم يريد أن ينحرف
بالعدالة إلى ما تتطلبه أهواؤه.
لقد روي أن علياً ضاعت منه درع فوجدها عند نصراني. فأقبل به
إلى القاضي شريح يخاصمه، وقال علي: هذه الدرع درعي ولم أبع ولم أهب.. فقال شريح
للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين.. فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي
وما أمير المؤمنين عندي بكاذب! فالتفت شريح إلى على وقال: يا أمير المؤمنين، ألك
بينة؟ فابتسم علي وقال: أصاب شريح، ما لي بينة.
فقضى بالدرع للنصراني، فأخذها ومشى خطوات ثم رجع، فقال: أما
أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه فيقتضي فيقضي
عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. الدرع والله درعك يا أمير
المؤمنين، سقطت منك وأنت منطلق إلى صفين. قال علي: أما إذ أسلمت فهي لك.
سكت قليلا، ثم قال: لقد علم رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم القضاة بفعاله قبل أن يعلمهم إياها
بقوله.. فقد كان مع نبوته ووحي الله إليه يقول: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي،
ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه)، فقد ذكر
النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم أنه لايقضي إلا بما يسمع، لا
بما يعلم.
وفي قضية الحضرمي والكندي قال a : (شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذلك)[1]
وروي أن النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم بعث أبا جهم على الصدقة فلاحاه رجل على فريضة، فوقع بينهما