ولذلك أمرنا بدل البحث عن
الماهية أن نستثمر الطاقات الكبرى التي تتمتع بها أرواحنا في أداء الأمانة التي
كلفنا بها، قال تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاًO (الأحزاب:72)
لم أدر بما أجيبه، فقال: لعلك
في رحلتك في البحث عن الإنسان مررت بذلك الركام من التيه في التعرف على روح
الإنسان..
قلت: لقد مررت على الماديين..
فرأيت أنهم فقد قطعوا عن أنفسهم هذا الجدل حين اعتقدوا أن الإنسان مجرد كيان مادي
مكوَّن من مجموعة من الأجهزة والفعاليات المادية، وعندما يفقد الحياة سينحل
ويستهلك في تراب الأرض وتنتهي دورة وجوده في عالم الطبيعة إلى الأبد.
وقد ذكر هؤلاء أن الروح ـ إن صح
أن يكون هناك روح ـ ما هي إلا خواص الجسد، فهي لذلك تخضع لجميع القوانين التي
تحكمه.
وذكروا أن مجموع ظواهر الشعور
والعقل والارادة والفكر، ما هي إلاّ وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوظائف البدنية
الاُخرى، وكذا الآثار الفكرية والمعرفية عندهم ماهي إلاّ نتائج وآثار فيزيائية
وكيميائية للخلايا العصبية والعقلية، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد
ظهور العقل والجهاز العصبي، وتموت بموت الجسد، فإذا مات الانسان بطلت شخصيته،
واندثر بدنه، وزال معه كلّ ما بلغه من محصول عقلي وارتقاء نفسي وكمال روحي.
قال: لقد ذكر الله تعالى هذا
الصنف، فقال:﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا
نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَO (الأنعام:29)، وقال:﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا
حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَO (المؤمنون:37)
قلت: فكيف يرد على هؤلاء؟
قال: إن أول ما يرد به على
هؤلاء هو الفطرة.. فالفطرة البشرية تقول بوجود الروح..